على الرغم من المخاض العسير ورحلة السير على الأشواك بأقدام حافية مثخنة بالآلام في سورية المزروعة بألغام القتل الموقوتة, على الرغم من التعثر في تضميد الجراح بين الكبوة والنهوض والحصاد المر لعشاق الحرية من عامة السوريين, تبقى الحلول التي يجدها الغير للداخل السوري لا جدوى منها ويبقى السعي لتسويق شخصيات هلامية موبوءة بآفات النظام الحاكم حتى النخاع لقيادة فترة انتقالية آخر ما يمكن أن يسمى حلا لمأساة بلدنا الحزين المتشح بالسواد طولا وعرضا . الأبطال من أبناء شعبنا السوري في الداخل الذين يبذلون الغالي والنفيس في سبيل التخلص من الاستبداد هم أصحاب القول الفصل في رسم معالم سورية المستقبل من مرحلتها الانتقالية وحتى الوصول إلى ذلك اليوم الذي يصبوا إليه جميع السوريين يوم الاحتكام إلى صناديق الاقتراع الحقيقية. العقلانية انشقت عن النظام الجائر في سورية تزامنا مع اقتلاع جلاوزته أظافر أطفال درعا وإطلاق أيدي شبيحته ليعيثوا قتلا وفسادا. سار النظام من حينها فاقدا للرشد لا يفقه الا لغة الحديد والنار, جيشه أصبح وبالا على شعبنا, الذي سمي زورا وبهتانا بجيش الوطن العقائدي.لا أدري بأية سمات يمكن وصف مؤسسة العار العسكرية السورية قياسا مع المصرية أو التونسية؟ هنا يجب أن أوضح بأن المعنيين هم ذوي الرتب السيادية بالدرجة الأولى. أين شرفائها الذين هم على شاكلة طلاس, حيث اقتضى الأمر أكثر من ثمانية عشر شهرا على معركة شعبنا الغير متكافئة ضد الظلم والطغيان والدماء ال غزيرة التي سالت حتى تتحرك فيهم النخوة ويميزوا الحق من الباطل بل بالنسبة لمناف انتظر حتى بعد خروجه الغامض من سورية أكثر من أسبوعين و تناول جرعات عديدة لاكتساب الشجاعة اللازمة وبعد طول تردد واستشارات قرر الإعلان عن انشقاقه المريب. كان الأجدر بالعميد القتال مع لوائه على أرض المعركة وحماية المواطنين السوريين كسبيل لطلب العفو والمغفرة من الشعب السوري الذي يعرف حق المعرفة بأن لعائلته كل المساهمة في إرساء ظلم الأسد الأب والابن وطغيانهما على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمن, ذلك كان أفضل له من طواف الكعبة الشريفة مئة مرة بدل تمثيلية العمرة التي ر وّج لها. صحيح أن سورية تعرضت لغزوات كثيرة و صبغت الدماء الحمراء نهر العاصي مرات عديدة عبر التاريخ, لكن هذه المرة مختلفة تماما لأن الأجساد التي انتشلت من العاصي والمجازر العديدة الأخرى ارتكبت على أيدي من يدّعون بأنهم أبناء الوطن وحماتها. أيّ وطن هذا الذي تهتك فيه أعراض أهله ويهدر دم شعبه وتكتوي أجساد مواطنيه بنيران الغل. سورية الأرض, المكان, لا قيمة لها بدون شعبها المعطاء, المتسامح, العريق . أعداد الضحايا تزداد في الارتفاع يوما بعد يوم, وتيرة الأحداث على الأرض تسير بسرعة الضوء قياسا مع السير السلحفاتي للمجتمع الدولي خاصة بعد التفجير الذي استهدف القيادة العسكرية المسماة بخلية إدارة الأزمة. التذرع بالخشية من نشوب حرب أهلية في سورية من قبل العالم الخارجي في حال التدخل الفعلي هو ادعاء باطل بل على النقيض من ذلك أي أن السلبية في التعامل مع الملف السوري والقيام بإجراءات عقيمة هي التي تمدّ في عمر النزاع, تطيل من عذابات شعبنا و تشجع النظام لارتكاب المزيد من المجازر مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة. المغامر الوحيد بوحدة الأراضي السورية وسلمها الأهلي هو النظام البعثي الشوفيني. روسيا تنظر إلى الانتفاضة الشعبية على أنها غزو للمتطرفين المدعومين من دول الخليج وتركيا الإسلامية ضد رئيس متحضر يحاول جاهدا الدفاع عن العلمانية ويعيق الإسلاميين من السيطرة على مقاليد الأمور. كما أنها تعتقد بأن سقوط الأسد قد يشكل خطورة وصول ذلك المد الديني إلى جمهوريات الاتحاد الروسي. الكابوس الآخر الذي يتخوف منه الروس هو استيلاء الإسلاميين على الأسلحة الكيماوية السورية حال سقوط نظام البعث ومن ثم سهولة وقوعها في أيدي القوقازيين. بوتين يسير مع إدارته بعكس التيار أي الدعم والوقوف إلى جانب الحكام المستبدين بكل قوة ضد شعوبها المظلومة. الدعم الذي طالما سبب عداء شعوب العالمين العربي والإسلامي للغرب لأنها كانت تبدي مصالحها السياسية على القيم و المعايير الإنسانية التي تنادي بها, في الوقت الذي يتوخى أوباما الحذر الشديد في سياسته مع العالمين المذكورين خدمة للأمن القومي الأمريكي. الدول الأعضاء في مجلس الأمن دعت مؤخرا للمرة الثالثة إلى اجتماع تصويت على مشروع قرار لفرض المزيد من العقوبات على النظام على الرغم من معرفتها التامة بالفيتو الروسي والصيني, إن لم يكن لديها مخططا للقيام بإجراءات خارج المجلس فذلك يعني بأنها قامت بعمل عبثي لا مبرر له البتة. الجامعة العربية بدورها تحوّل الملف إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بإجراء مكرر أيضا وللتذكير أقول لقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في شباط المنصرم قرارا بشأن الانتقال السياسي في سوريا بأغلبية 137 صوتا مقابل 12 ، وامتناع 17 دولة عن التصويت. مع ذلك لم يتخذ المجتمع الدولي أ ي إجراء فعّال ينهي الأزمة, سوى إرسال المراقبين وانتظار خطة عنان العقيمة التي طغت مساوئها على محاسنها. الآن بعد مضي أكثر من خمسة أشهر وسقوط الآلاف من الضحايا والخراب و المآسي الذي لحق بالبلاد والعباد تعود الجامعة إلى إعادة الكرّة. هذه ليست سوى خطوات التقهقر إلى الوراء في الوقت الذي يدفع الشعب السوري ثمن كل خطوة إلى الأمام من دماء أبناءه. على الدول العربية و الأجنبية الصديقة للشعب السوري إثبات مصداقيتها من خلال السعي لإيجاد السبل الكفيلة بوقف آلة القتل مهما كانت الإجراءات, أما من يصلح لقيادة المرحلة الانتقالية فتلك مهمة يجب أن يتولاها السوريون أنفسهم. 2012-07-28 فرمز حسين مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم
|