و الإستخباراتية و المدنية الأُخرى، و من ثم قيامه بتقديم الشكر لهم على ما قاموا به.
لقد كان المشكورون أول المتفاجئين المُحرجين، فقد كان الشكر هنا بمثابة صفعةٍ مدوية أربكتهم و أطاحت بأوراقهم لدرجةٍ لم يستعيدوا معهُ توازنهم بعد ليردوا عليها، اللهم إلا إذا كان التجاهل رداً، رغم أن المُفاجئة الأسدية كانت في مُجرد ذكر الواقعة و إظهار الإمتنان للأشاوس على دورهم في دحر أعدائه، و ليس في الواقعة أو الوقائع ذاتها التي لا يجهلها أحد، إذ لا يمكن لأي عاقل أو ذو بصر أن ينكرها، فلا يزال من قام بالواجب الأسدي يعزف مثلهُ، و إن لم يكُن في دار الأوبرا، على لحن المجموعات الإرهابية المُسلحة التي دخلت من تركيا، و يخوّن كل من ينشز عن ذلك اللحن النشاز.
و يمكن القول لمن لم يُتابع الوقائع في مدينة سريه كانْية و يجهل لذلك خلفيات الرضا الأسدي الذي ظهر في خطابه الأخير، إن ما جرى في تلك المدنية الكُردية لا يختلف كثيراً عما يجري في أية مدنية سورية أُخرى و لكن مع بعض الإضافات، فقد حاولت مجموعات مُسلحة تحت مُسمى الجيش الحُر دخولها بداعي تحريرها من بقايا سلطة النظام المتمثلة بمقراته الإستخباراتية، و التي كانت تعمل جنباً إلى جنب مع قوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي الذي هو بدوره جزء من حزب العُمال الكُردستاني التركي، و ذلك من خلال عدة نشاطات منها إقامة حواجز ثنائية لا تبعد عن بعضها البعض سوى أمتار قليلة، و هنا تصدت قوات اللجان الشعبية لتلك المجموعات، و أُضطر الطيران الأسدي للتدخل في بعض المراحل لصالح الأولى، مما ألحق مزيداً من الدمار بالمدينة و تهجيراً لمعظم سكانها، لكن في النهاية لم تندحر المجموعات المُسلحة كما ذكر الأسد، فلقد سيطرت هذه على حوالي ثمانين بالمائة من المدينة، و الآن هناك إتفاق عدم إعتداء بينها و بين (الشباب الأشاوس)، إحدى نقاطه تشكيل حواجز مشتركة بين الطرفين، و هو ما حصل فعلاً.
قد يقول قائل أن الأسد لم يكن يهدف من كلامه ذاك إلا إلى إيقاع الفتنة بين مكونات الشعب السوري بشكل عام أو بين مكونات الجزيرة و بين الكُرد أنفسهم بشكلٍ خاص، و إن علينا أن نكذب خطاب الأسد جملةً و تفصيلاً، و السؤال الذي يمكن طرحه هنا كأجابة على الموضوع هو: و لماذ لم يشكر بشار الأسد الإتحاد السياسي الكُردي أو أي حزب من الأحزاب أو التنسيقيات الكُردية الكثيرة؟ لماذا لم يشكر بشار الأسد الجيش الحُر أو المتظاهرين السلميين مثلاً؟ ثم هل الوضع الكُردي، خاصةً بين حزب الإتحاد الديمقراطي بتسمياته المختلفة و بين باقي أطراف الحركة الكُردية، هو على خير ما يرام، حتى يأتي الأسد أو غيره ليحاول أن يزرع فيه الفتن و الشقاق، أم أن ما يتم بين الكُرد هو صورة مصغرة عما يجري في سوريا حيثُ النظام و شبيحته من جهة و الشعب الأعزل من جهةٍ أُخرى، و لا يحتاج الأمر قيام آخرين لصب المزيد من الزيت على النار؟
حاصل القول أن مدائح الأسد لأشاوس الأسد لا يسئ لصورة الكُرد المُشتركين في الثورة السورية منذُ بدايتها، إذ أن بين ظهراني كل مكونات الشعب السوري شبيحةً للنظام يرتبط مصيرهم بمصيره، و لا يمكن أن يؤاخذ الجميع على جرائم تلك القلة.
تبقى سريه كانْيه و أهلها أشرف من أن يدنسهم بشار الأسد بنصف لسانه، و ينابيعها أطهر و أنقى من أن يلوثها بضعة من شبيحته بقذارته
م، من جهةٍ أُخرى لا يحتاج السوريون من أهلنا في سريه كانْيه أن يرفضوا خطاب الأسد، إذ لم يشك أحدٌ يوماً في وطنيتهم، معاذ الله، و في الوقت ذاتهُ لا ينتظر السوريون و خاصةً الكُرد من (أشاوس الأسد) أن يرفضوا تحيته، لأنه و ببساطة لن يصدقهم أحد.
حسين جلبي
jelebi@hotmail.de