, فما بدأه المجلس الوطني السوري في عدم التعامل الجدي مع القضية إياها تابعه الائتلاف الوليد فور تأسيسه.
المتتبع لمواقف الآخر العربي السوري من قضية الشعب الكردي على صعيدي السلطات المتعاقبة في دمشق والمعارضة, يلاحظ أن ليس هناك ثمة فروق جوهرية في مقاربات الطرفين للقضية, إلى درجة القول أنهما يمتحان من المعين نفسه في مقاربة قضايا التنوع العرقي والإثني والثقافي في البلاد.
مع ولادة الدولة الوطنية السورية في أعقاب رحيل جنود الانتداب الفرنسي تم تجاهل المكون الكردي السوري, فانقلاب سامي الحناوي 1949 على حسني الزعيم كان بدعوى سعي الزعيم ورئيس حكومته محسن البرازي لإقامة جمهورية عسكرية كردية في سوريا, وأكد دستور سوريا لعام 1950 على عربية سوريا وإن اعتمد تسمية الجمهورية السورية, ونكَّلَ عهد حكومة الوحدة السورية المصرية 1958 – 1961 بقيادات ونشطاء الحزب الديمقراطي الكردي ( الحزب الكردي الوحيد حينها ) في حملة الاعتقالات الأولى من نوعها التي تطالُ السياسيين الكرد في البلاد.
أما الفترة الممتدة من انقلاب 8 مارس 1963 وإلى تاريخه فقد شهدت سياسات الصهر القومي وتعريب المناطق الكردية وتغيير تركيبتها الديموغرافية وإقصاء وتهميش المكون الكردي السوري, من خلال جملة من السياسات والقوانين والإجراءات الاستثنائية التي استهدفته إلى جانب اعتماد الدساتير العديدة في هذه الفترة القومية العربية كقومية وحيدة في البلاد.
الخطاب الرسمي للنظام الأسدي غير الشرعي الحاكم في البلاد الذي اعترف بعد الانتفاضة الكردية في مارس 2004 بالكرد كجزء من النسيج التاريخي السوري اختزل القضية الكردية في ملف الكرد المجردين من الجنسية السورية منذ الإحصاء الاستثنائي لعام 1962, أما الأجهزة الأمنية السورية العديدة فكانت تعترف في فروعها وأقبيتها بوجود قضية كردية في سوريا ولكن تحت مسمى ( مشكلة كردية ), فيما كانت المحاضر الأمنية التي تنظم في معرض استجواب النشطاء الكرد تصنف القضية إياها تحت مسمى ( الوضع الكردي ).
مع بدء الثورة ضد النظام في سياق ثورات المنطقة ( الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ) استبشرنا خيراً, وكان الرهان على ربيع البلاد في تغيير سلة المفاهيم والمقاربات الإقصائية السابقة من قضية الشعب الكردي في البلاد, سيما وأن المعارضة السورية كانت تتحدث أقله منذ خطاب القسم لطاغية دمشق بشار الأسد في 2000 عن التغيير الديمقراطي في سوريا, وتعمق ذلك مع مع شراكة قوى سياسية عربية وكردية في إطار إعلان دمشق المعارض عام 2005, لكن عشرون شهراً من عمر الثورة السورية ضد النظام أثبتت أن رهاننا كان على أحصنة خاسرة في المضمار وقد خرجت لتوها من اسطبلات شقيقها البعثي إن لم نقل أنها خرجت من غرفة نومه.
العقل المعارض العربي السوري تعامل مع قضية المكون الكردي السوري بناء على منطلقات أحادية متعالية, ودائماً على أسِّ مركزية القومية العربية وهامشية أو طرفية القوميات الأخرى في البلاد.
خلال أشهر الثورة القائمة, ونحن نتابع معارضين سوريين أنيقين يتحدثون في برامج الفضائيات العربية الأخرى من أماكن إقاماتهم في كبريات عواصم المنطقة والعالم عن عدم مشاركة كردية في الثورة ضد النظام, أو تقزيم المشاركة الكردية في الثورة ضد النظام, رغم أن مقاطع الفيديو التي تبثها تلكم المنابر كانت تكذب دعاواهم, فالصورة أبلغ من أي تعبير آخر, إلى جانب العشرات من التصريحات الصحفية الأخرى في هذا السياق أطلقها على مدى أشهر العديد من المعارضين العرب السوريين.
وصل الأمر بالبعض المعارض الآخر من المكون العربي لسوريا التصريح جهاراً بعدم وجود شعب كردي في سوريا ( ماثلهم برهان غليون الرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري المعارض بالمهاجرين الأسيويين في فرنسا ), ونفي وجود أرض كردية ( كردستان ) في سوريا ( المراقبان الحالي والسابق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا ) وكأن الكرد السوريين تم استيرادهم كما المعلبات إلى سوريا.
وثيقة العهد الوطني لسوريا الجديدة التي أطلقها المجلس الوطني السوري في مؤتمر المعارضة الموسع المنعقد في مدينة اسطنبول أواخر مارس 2012 لم تشر إلى أي متعلق بالحقوق القومية الكردية في سوريا, لكن بنتيجة الانسحابات منه تم إصدار ملحق خاص بالقضية بالكردية, لكن هذا الملحق جاء في الوقت بدل الضائع بعد انتهاء مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في اسطنبول ونيل الوثيقة ( العهد الوطني ) مباركة الدول المشاركة.
المجلس الوطني السوري الذي رفض مراراً الترجل عن فرسه ( مثل كردي ) إزاء المطالب الكردية التي ينبغي الاعتراف بها في الراهن السوري وتثبيتها في الدستور السوري القادم بعد سقوط النظام لم يشذ عنه الائتلاف الوليد, بل طابقه ووافقه حدَّ الاقتراب من تصفير المشكلة سلباً, عبر عدها جزئية أو مجرد إجراء فني لا يستحق الانهمام به في راهن الثورة, لهذا فقد قام الائتلاف بتسويف حل هذه ( الجزئية ) إلى إشعار سوري يكمن ما بعد رحيل بشار الأسد, وتحديداً بعد انتخاب برلمان سوري جديد.
جدير بالذكر, أن الطاغية بشار الأسد هو أول من استخدم مقولة ( إجراء فني ) لنعت القضية الكردية المختزلة لدى نظامه المتآكل إلى مشكلة الكرد المجردين من الجنسية السورية, وهذا يعني أن المعارضة والسلطة الأمنية تمتلكان المنطق نفسه والمقاربات نفسها في النظر إلى بعض قضايا الداخل السوري, إلى درجة القول أن منطقي الطرفين مستنسخان من بعضهما.
المطلوب لأجل صياغة سوريا مختلفة ومغايرة في غدها, فإن المعارضة السورية ( شقها العربي ) مطالبة بالتخلص من الرؤى المبتسرة النامية كالطحالب خلال خمسة عقود, وهذا يعني أن عليها واجب التخلص من ذهنيتها الفصامية والإخلاص لطروحاتها النظرية الدائرة حول قيم الأنوار والدمقرطة والتعددية, وإلا فلن يتغير في سوريا سوى الكساء السلطوي الحالي, وهذا لا يخدم سوريا القادمة التي نترقب ولادتها.