، فمقاومة الشعب الكردي لم تنقطع منذ ذلك التاريخ من خلال مقاومات أصيلة في أقبية المخابرات والسجون، الرفيقة "نازلي كجل" اعتقلت في نيسان 2004 ولا زلنا نجهل مصيرها والرفيق "أحمد حسين حسين" أبو جودي استشهد في أقبية المخابرات العسكرية والرفيقة "شيلان كوباني" وأربعة رفاق آخرين استشهدوا على يد المخابرات السورية، وكذلك الرفيق عثمان سليمان، وما يحدث في كل نوروز من مقاومات واعتقالات مثل نوروز 2008 ونوروز الرقة 2010، حيث تعرض الآلاف من الوطنيين الأكراد للتعذيب والاعتقال. ففي آذار 2011 عندما اندلعت ثورة الشعب السوري كان لنا أكثر من 1500 معتقل من أنصارنا ومؤيدينا في المعتقلات وأقبية المخابرات السورية.
لهذا عندما اندلعت ثورة الشعب السوري من أجل الحرية والديموقراطية والكرامة، نحن الشعب الكردي كنا الأحوج إلى الحرية والديموقراطية والكرامة فكنا من أول المنخرطين فيها إلى جانب أخوتنا في الوطن السوري. وعند تحليلنا للأوضاع توصلنا إلى قناعة مشتركة مع أخوتنا الكرد والتنظميات الديموقراطية العربية التي قاومت هذا النظام على مدى سنين طويلة وهي: يجب أن تبقى الثورة السورية سلمية وبالوسائل الديموقراطية مع الاحتفاظ بحق الدفاع عن النفس للجماهير إلى أن تصل الأمور إلى العصيان المدني الشامل. ويجب تجنب تسليح الثورة مهما كانت الظروف. لأننا نعرف مدى وحشية النظام ومدى امتلاكه للسلاح الفتاك ومدى تمسكه بالسلطة. مثلما جعلنا من هذه الرؤى إطاراً انضممنا إليه وهو : "هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي". حيث لا زلنا كحزب من أعضائها الفاعلين الملتزمين بمبادئها واستراتيجيتها.
على ضوء الحقائق المذكورة آنفاً كان لا بد من تنظيم صفوف الشعب والاستعداد للمستقبل من جهة، والاستمرار في المشاركة في الثورة من جهة أخرى. وهكذا بدأنا بتنظيم الجماهير الكردية في مناطقنا حسب المشروع الذي نعتقد أنه الأنسب لحل القضية الكردية في غرب كردستان وسوريا وهو "الإدارة الذاتية الديموقراطية" الذي تم إقراره في مؤتمرنا الثالث عام 2007 ، واستمرينا في حراكنا الجماهيري الشعبي من جهة أخرى. إلا أن شركاءنا العرب لم يتمكنوا من تنظيم صفوف الجماهير كما يجب ولم يتمكنوا من التحكم في الشارع العربي، وبالجهود التي بذلها النظام القائم، والتدخلات الخارجية خرجت الثورة السورية عن مسارها السلمي وتسلحت، والنتيجة هي ما نراه اليوم من قتل مئات الأشخاص يومياً في دوامة العنف المتبادل بين قوات النظام والمجموعات المسلحة التي تحظى بالدعم والمساندة من أطراف خارجية تسعى إلى خدمة مصالحها وأهدافها ، دون أي اكتراث بمصير الشعب السوري.
نحن كقوى كردية استطعنا تنظيم صفوف جماهيرنا مع المكونات السورية الأخرى المتواجدة في المناطق الكردية كالعرب والسريان والآشوريين والأرمن، تحت سقف "حركة المجتمع الديموقراطي" (TEVGERA CIVAKA DEMOQRATIK) التي تضم العديد من منظمات المجتمع المدني كـ"اتحاد ستار" النسائي و"اتحاد الشبيبة" و"مؤسسة عوائل الشهداء" والاتحادات المهنية وتخصصية كالأطباء والمهندسين والحرفيين وغيرها، بالإضافة إلى تشكيل المجالس المحلية والإقليمية والكومونات في القرى والريف. إلى جانب "لجان الحماية المدنية" التي انتشرت في مكان من غرب كردستان، تحسباً لأي فراغ أمني يحدث في المناطق الكردية نظراً للاشتباكات المسلحة التي تدور في سوريا بالقرب من المناطق الكردية.
نتيجة لهذه التدابير من جانبنا توصلنا إلى مناطق كردية آمنة لا تشهد اشتباكات مسلحة كما في العديد من المناطق السورية الأخرى، ولهذا بدأ سيل النازحين إليها بحيث أصبح هناك ما يقارب النصف مليون نازح من أكراد وعرب أتوا إلى المناطق الكردية هرباً من جحيم الصدامات الدائرة بين جيش النظام والمجموعات المسلحة التي تقاتل تحت أسم "الجيش السوري الحر". ولهذا بدأنا مواجه صعوبات في تلبية متطلبات الحياة من غذاء ودواء في المناطق الكردية، فمن جهة صعوبة المواصلات مع الأجزاء الأخرى من سوريا ومن جهة أخرى إغلاق الحدود مع تركيا وإقليم كردستان حسب المزاج السياسي.
بالنسبة للجيش السوري الحر نتعامل مع المجموعات التي انفصلت عن الجيش السوري النظامي بهدف حماية المدنيين، فهم يتفهموننا ونحن نتفهمهم، ولكن هناك المجاميع التابعة لقوى خارجية مختلفة تأتمر بأوامرها وتعمل على تحقيق أجنداتها، وبعض هذه المجموعات تعمل على توتير المناطق الكردية وخاصة تلك المرتبطة بتركيا، فهي لا تعترف بأي من الحقوق الديموقراطية للشعب الكردي في غرب كردستان، نظراً للفوبيا الكردية الموجودة لدى النظام التركي الشعب الكردي أينما كان. فخلال حقبة العلاقات الجيدة!!! بين النظام البعثي والنظام التركي استطاع الأخير تجنيد كثير من التركمان وضعاف النفوس لصالحه ويقوم الآن باستخدامهم. وهؤلاء يقومون الآن بتعكير الأجواء في المناطق الكردية إضافة إلى قوى النظام الشوفينية التي لا تقبل بأية حقوق للشعب الكردي. من ناحية أخرى الجيش السوري الحر ليس تنظيم متجانس موحد، بل يتكون من عدة رؤوس وعدة أجساد وليس له قيادة موحدة، بعضها مرتبط بالسعودية والبعض الآخر مرتبط بقطر، والبعض الآخر مرتبط بالقاعدة، ولكن أغلب المجموعات أصولية متدينة ولا يمثلها المجلس الوطني السوري، أي ليس لديها تمثيل سياسي موحد ليمكن التحاور معها، رغم أن القوى الغربية عملت جاهدة على إيجاد ممثل سياسي لها يتجسد في المجلس الوطني السوري إلا أنها لم تفلح حتى الآن.
بالنسبة لوحدة القوى الكردية وتنظيم صفوف الشعب، نحن في حزب الاتحاد الديموقراطي استطعنا تنظيم صفوف جماهيرنا في حركة المجتمع الديموقراطي (TEV-DEM) كما أسلفنا، ومن خلال انتخابات شبه ديموقراطية استطعنا انتخاب مجلس الشعب لغرب كردستان يمثله ديوان المجلس ورئاسة مشتركة من رجل وامرأة. ونحن كحزب سياسي نمثل هذا التكوين والمجلس نلتزم بما يتخذه من قرارات. ومن الجانب الآخر اجتمعت الأحزاب الكردية السورية وعددها ستة عشر حزباً في المجلس الوطني الكردي السوري. وخلال مداولات وحوارات مديدة استطعنا مؤخراً التوصل من خلال المجلسين (مجلس الشعب لغرب كردستان والمجلس الوطني الكردي السوري) إلى تأسيس هيئة كردية عليا تمثل مجمل القوى الكردية العاملة في غرب كردستان وسوريا، في اتفاقية هولير التي تم التوقيع عليها في 11/7/2012 وباتت جميع الوحدات والمؤسسات ووحدات الحماية التي تم تشكيلها سابقاً تابعة للـ"الهيئة الكردية العليا" التي تتألف من عشرة أشخاص يمثلون المجلسين المذكورين، وقامت هذه الهيئة بتشكيل جميع الهيئات واللجان الدنيا في سائر المناطق والبلدات الكردية. وكذلك هناك وحدات الحماية الشعبية التي هي عسكرية على الأغلب باتت تحت أمرة هذه الهيئة.
من خصوصياتنا المستمدة من المجتمع الكردي عدم وجود تنظيمات دينية متطرفة لدى مجتمعنا، فالمجتمع الكردي بذاته يضم الإيزيديين والعلويين بالإضافة إلى المسلمين، وكذلك يعيش مجتمعنا مع الآشوريين والكلدانيين والسريان والأرمن منذ آلاف السنين، ولهذا مجتمعنا الكردي لايضم أي متطرفين من الناحية العقائدية ولا الأثنية. بالإضافة إلى النواحي الاجتماعية الأخرى، فمثلاً المرأة مشاركة في كل الأنشطة بما فيها وحدات الحماية الشعبية بنسبة 40% لكلا الجنسين، فنظام الرئاسة في كل من PYD ومجلس الشعب لغرب كردستان هب الرئاسة المشتركة، فلكليهما رئيسان أحدهما امرأة. باختصار المجتمع الكردي في غرب كردستان يمكن أن يكون نموذجاً لكامل المجتمع السوري من حيث الديموقراطية والمؤسسات والتشاركية والعيش المشترك لكل المكونات.
نحن في PYD ومجلس الشعب لغرب كردستان كان لنا مشروعنا الذي أسميناه بـ"الإدارة الذاتية الديموقراطية" حيث أقريناه في مؤتمرنا الثالث للحزب عام 2007 ، كما تم تبني المشروع من جانب مجلس الشعب لغرب كردستان عند تأسيسه. هذا مشروع جديد مبتكر بعض الشيء حيث ليس له نص في النماذج الموجودة، وكذلك عند التقارب مع الأحزاب الكردية التي كانت لديها مشاريعها المختلفة وتتراوح بين الحقوق الثقافية للشعب الكردي والفيدرالية، لذا وجدنا أن التسمية ليست مهمة بقدر المضمون، ولهذا ارتأينا أن يتضمن حل القضية الكردية النقاط التالية:
الاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي ضمن وحدة الوطن السوري، في نظام ديموقراطي تعددي علماني.
توفير الضمانات الدستورية اللازمة لحقوق الشعب الكردي الديموقراطية التي تتضمن الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحماية الذاتية.
كما نعتقد أن الديموقراطية غير ممكنة من غير حل القضية الكردية في سوريا، والحركة الكردية في غرب كردستان ليست انفصالية ولا تتطلع إلى تقسيم أو تجزئة سوريا، مثلما لا تشكل ـهديداً أو خطراً على أي من دول الجوار مطلقاً.
أسباب بقاء المنطقة الكردية آمنه وهادئة حتى الآن تكمن في النقاط التالية:
نحن استطعنا تنظيم صفوف شعبنا، وهناك من يمثل هذا الشعب سياسياً ويلقى الاحترام والتأييد من غالبية الشعب.
عدم وجود التيارات المتطرفة ضمن مجتمعنا كما أسلفنا.
النظام السوري يدرك بأن الدول التي تدعم المجموعات المسلحة في الوقت الراهن لن تدعم الشعب الكردي وحقوقه وخاصة تركيا.
النظام السوري لا يتحمل فتح جبهة قتالية مع الشعب الكردي لأنه اختبر هذا الشعب عام 2004 في انتفاضة قامشلو.
إضافة إلى كل ذلك الشعب الكردي يطالب بحقه في الوجود وحقوقه الديموقراطية مهما كانت نوع السلطات .
01.11.2012
الرئيس القرين لحزب الاتحاد الديمقراطي
صالح مسلم