, منها الطاقة والتشغيل والضمانات الصحية وخفض أو رفع الضرائب, ولكنهما اتفقا أيضاً على مواقف محددة, منها الموقف المتشدد من نزوع ايران لامتلاك السلاح النووي, ومن اسرائيل في حال مهاجمتها ايران, وكذلك الموقف من نظام الأسد السوري المتهالك. بل كانت رسالتهما للرئيس السوري, الذي أطلق عليه البعض اسم "محافظ دمشق" رسالةً مشتركة وواضحة بفارقٍ بسيط في الألفاظ والعبارات, فالمتنافسان على رئاسة الولايات المتحدة التي تعتبر من نواحٍ متعددة أهم القوى العظمى في العالم إلى جانب الصين والاتحاد الأوربي وروسيا, ركزا ولو بقدرٍ قليل من الاهتمام بالأوضاع في سوريا على ضرورة تنحي الأسد وانتقال سوريا من بعد حكمه الشمولي إلى بلدٍ حر وديموقراطي وصديق لأمريكا, يتم فيه تبادل السلطة بين أبنائها وبناتها عن طريق صناديق الانتخاب وليس عن طريق الغلبة بالقوة, وعدم الاهتمام الكبير بسوريا وما يجري فيها من مآسٍ وجرائم ضد الإنسانية ليس من أولويات الولايات المتحدة, وإنما لديها من المشاكل الداخلية ما يجعل مختلف القضايا الخارجية في المرتبة الثانية من حيث ترتيب الاهتمامات العامة, ولكن طالب المرشح الجمهوري بأن تقوم إدارة بلاده بجهودٍ سياسية ودبلوماسية أقوى لاجبار الأسد على ترك السلطة وافساح المجال للشعب السوري ليقرر مصيره بنفسه ويبني مستقبله من جديد. وهذا يعني أن كل الأحلام الوردية لنظام الأسد ومحاولات إعلامه لتصوير الصراع الدموي الرهيب في سوريا, منذ أن شرع جنوده وشبيحته باطلاق النار على الأطفال والنساء في درعا وإلى الآن, على أنه صراع بين نظامه "المتمدن والعصري" ضد "العصابات الإرهابية المتطرفة دينياً" قد تناثرت ولم يتمكن رغم سفكه لكل هذه الدماء السورية وللتدمير الممنهج للبنى التحتية في سوريا اقناع الولايات المتحدة بأنه "حليف" لها ضد "الارهاب" في الحاضر أو مستقبلاً
الرسالة الأمريكية لنظام الأسد واضحة ولامجال لتفسيرها تفسيرات غير واقعية, فكلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة يعلمان جيداً أن لامجال لانقاذ عنق نظامٍ كان في خانة "الدول المارقة" فساعداه على أمل إخراجه من تلك الحلقة السيئة في مرحلة سابقة, ولكنه لم يفهم ذلك بصورة جيدة ومناسبة, وانما اعتقد بأن الولايات المتحدة بحاجة ماسة ودائمة له, وبامكانه التصرف بشعبه كما يشاء فهي لن تقف مع الشعب السوري المسلم في غالبيته ضده, وهو النظام العلماني المستعد للمساهمة في أي مغامرة أمريكية أخرى كمغامرتها في العراق, كما أنه معلوم بشراسته في التصدي للحركات الإسلامية المتطرفة, وقدرته على التلاعب بها وتسخيرها للسياسات التي يريدها, كما فعل في كلٍ من لبنان والعراق. ولكن نظام الأسد لم يدرك بأن دولة عظمى كالولايات المتحدة تتخلى بسرعة عن حلفائها الصغار حيثما تتطلب مصالحها الاستراتيجية ذلك. وهذا هو ذات الخطأ الذي وقع فيه نظام صدام حسين العراقي من قبل وانتهى بزواله ودماره, مثلما تخلت عن نظمٍ استبدادية أخرى أثناء فترة الحرب الباردة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والجنوبية
قد قلت قبل يومين أو ثلاثة في مقابلة مع راديو صوت أمريكا – القسم الكوردي بأن الرسالة الأمريكية لنظام الأسد رغم أهميتها ليست على مستوى الحدث السوري, وأكرر ذلك هنا أيضاً, ففي سوريا ترتكب جرائم ضد الإنسانية يومياً, وتتسم سياسة النظام الأسدي حيال المدنيين السوريين بأنها فظيعة وشائنة, ورغم ذلك فإن الولايات المتحدة لاتسعى الآن للقيام بأي خطواتٍ عملية حاسمة لوقف النزيف اليومي الذي يعاني منه شعب سوريا, وإنما تعمل عبر القنوات السياسية والدبلوماسية المتاحة ببطء إلى إحداث تغيير سياسي في سوريا, ولو اقتضى ذلك أمداً طويلاً, وهذا في نظري اخلال باللوائح والمواثيق الدولية التي تنص على ضرورة حماية المدنيين أثناء الحروب, وتخلٍ سافر عن المسؤولية الدولية الواقعة على عاتق الدول العظمى ومنها الولايات المتحدة, وفي الوقت الذي يقدم الروس مختلف أشكال الدعم العسكري والمعنوي والاستخباراتي والدبلوماسي لنظام الأسد المجرم, فإن الطرف المقابل لايزال يتساءل: من سيحكم سوريا بعد الأسد؟ أهو صديق لنا أم عدو؟ وهذا يعني أن الإدارة الأمريكية تضع مصالحها الوطنية فوق الاعتبارات الإنسانية, وهذل سيؤثر في مكانتها كدولة عظمى بين السوريين وسواهم سلباً, وإنها بهذه السياسة غير العملية تساهم في دفع الشباب السوري إلى أحضان الجماعات المتطرفة بنفسها
ولايخفى أن المنافس الأكبر للرئيس الأمريكي لم يكن في المناظرة الأخيرة بينه وبين أوباما مختلفاً في الموقف تجاه سوريا, فهو أيضاً يستبعد الخيار العسكري ويراهن على سياسة ما, ولكن بشدة وقسوة, بهدف وقف نزيف الدماء واجبار الأسد على التنحي, حتى أن المتنافسين لم يتحدثا عن موضوع اقامة مناطق عازلة أو ممرات إنسانية أو اي حلول جادة لمشكلة تدفق اللاجئين السوريين, بل اعتبرا الموضوع السوري برمته قضية سورية يقع حلها على عاتق السوريين أنفسهم, وذلك على الرغم من الفارق العسكري بين النظام الأسدي وبين المعارضة المسلحة كبير والشعب السوري هو الذي يتعرض للمذابح والتدمير, ولا يدري أحد هل سيتوقف النظام عن الاستمرار في حربه الإجرامية هذه قبل سقوطه
بل إن الإدارة الأمريكية قد سجلت عبر تصريحات رئيسها أوباما في المناظرة التلفزيونية الأخيرة موقفاً لايليق بدولةٍ عظمى ويسيىء إليها بالتأكيد, والشعب السوري لن ينسى هكذا موقف للديموقراطيين الأمريكان الذين يعتبرون أنفسهم حماة الديموقراطية والحرية والإنسانية في العالم وبالتأكيد فإن السوريين لن ينسوا موقف الجمهوريين أيضاً, إن استمروا على ذات النهج الأباماوي التراجعي, في حال وصولهم إلى السلطة وعدم قيامهم بما يقع على عاتقهم من مسؤولية تاريخية حيال نظام إرهابي يقتل شعبه بقصف الطائرات الحربية والمدافع الثقيلة
جان كورد