من الصميم هذه المرة. فليس خافيا على أحد من أن الناس قد ملوا هذه المماطلة في تنفيذ بنود الاتقاقات المعقودة والالتزام بها. وان كنا اعتدنا النكوص من الاحزاب الكردية في سوريا وتراث الانشقاق و"الخيبة" ولكننا كنا نمني النفس هذه المرة بقليل من "الجديّة" سيما والتعهدات تحدث في حضرة الكاك مسعود، وهو الأمر الجديد تماما في الموضوع.
ننتظر ونرى.
مافعله المجلس الوطني الكردي في سوريا ( احد طرفي الهيئة الكردية العليا) مؤخرا من خلال ارساله وفدا لمقالة الاخضر الابراهيمي في دمشق، أمر يدعو للخجل والاحباط. فالمجلس تخبط وهو يهرول الى الابراهيمي دون شريكه الآخر( مجلس شعب غربي كردستان) الذي يٌشكل معه الهيئة. وهذا انتهاك لكل الاتفاقات واحباط للمراهنين على هذا الاطار الكردي الموحّد. المجلس تصرف بمفرده واختار تمثيلا احاديا دون التمثيل الجامع المتمثل في الهيئة. فضلا عن ترك اعضاء وفده رفيقا لهم بين قبضة المخابرات في مطار قامشلو، ومتابعتهم طريقهم الى حيث الأخضر الابراهيمي، وكأن مفتاح حل القضية الكردية في يد هذا الأخير. وكانت الهرولة نحو الآخضر/الغنيمة من العجلة بحيث نسيّ الوفد اخبار نائبي رئيس المجلس، مما دفع هؤلاء الى اصدار بيان للتنديد بهذا "الاستفراد بالقرارات".
أما الشركاء في مجلس غرب كردستان فلم يستفيقوا من الصدمة، حتى لاحظوا "غيابا تاما" لاعضاء المجلس عن الاجتماع الأول ل" ديوان العدالة في غربي كردستان" الذي انعقد في قامشلو قبل أيام. وكان قبل ذلك الحادثة المضحكة/ المبكية في لقاء اعضاء المجلس الوطني الكردي في أربيل وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، دون اشراك رفاقهم في المجلس الآخر. وسمعنا حججا كثيرة في ان اللقاء كان لمصلحة الكرد في سوريا، وان المجلس الوطني الكردي كان يريد "افهام" أوغلو رسالة قوية، او انهم تفاجئوا به وهم يدخلون احدى القاعات في ديوان رئاسة الاقليم. وعلى كل الاحول فقد كانت "العيبة" كبيرة حقا.
نعرف ان العمل مع مجلس مكون من قوى عديدة متضاربة التوجهات والقرارات أمر في غاية الصعوبة، وكنا ندرك ذلك منذ البداية. لكن الرهان كان على "حساسية المرحلة" وعلى "الحس المسؤول بخطورة الأوضاع" وعلى "ضرورة الوحدة مهما كان الثمن". وكان لعقد الاتفاق في مجلس الكاك مسعود البرزاني وبرعايته، وبموافقة ومتابعة من حركة التحرر الكردستانية سحر خاص جعلنا نحتضن (الهيئة الكردية العليا) ونهتف بحياتها. فنحن ومنذ اليوم الأول من الثورة السورية نادينا بضرورة مساعدة اخوتنا في اجزاء كردستان لنا. قلنا ان خبرتهم السياسية والعسكرية اكبر بكثير من "خبرتنا" ونحن نحتاجها طالما ان كل اطراف النزاع في سوريا يتصلون باشقائهم في المذهب أو القومية ويحصلون منهم على كل اسباب القوة. وكان هذا الموقف سببا في تهجم بعض الكرد السوريين من فئة المزايدين والمفلسين علينا، من الذين يفضلون الركض وراء قوى المعارضة القومجية والطائفية التابعة للمحاور الاقليمية، على أمل نيل "منصب" واكتساب "شرف" الخدمة لديها، على الاتصال باخوانهم في اجزاء كردستان الاخرى وطالب المشورة والدعم. حجة هؤلاء هي: لانريد ان يتدخل الكردستانيون في شؤوننا؟. طبعا مع اقرارهم بحق "تدخل" تركيا وقطر وايران والسعودية في شؤون الآخرين ودفعها كل تلك المليارات!!.
نعود الى موضوعنا ونقول: طالما تكررت "عمايل" المجلس الوطني الكردي الاستفرادية هذه، فمن المنطق ان الثقة قد تضعضعت به. لذلك نبيّن: أما ان يكون الرهان النهائي على صيغة ( الهيئة الكردية العليا) كاطار للوحدة أو ليرجع كل الى مجلسه. إذ لايمكن تحمل كل هذه التناقضات والتضارب في الكلام والفعل والاستفراد و"خربطة" المشهد الكردي واشاعة اليأس.
ليعد كل مجلس الى النضال بمفرده.
وكلام الاستراتيجية يقول: بان مجلس غرب كردستان لديه كل اسباب القوة التي تؤهله لكي يتكفل بادارة المناطق الكردية والدفاع عنها بمفرده ومع أي قوة وطنية تقبل العمل معه. فهو من كل النواحي قوي بمافيه الكفاية لتطبيق برامجه السياسية بالاعتماد على جماهيره، بل ومعظم جماهير المناطق الكردية التي تشكره الآن على السياسة التي اعتمدها في حماية هذه المناطق ومنع العابثين من جر الصدامات اليها، والنيل من كل من يسمسر لدى القوى الاقليمية لتخريب هذه المناطق ونشر الفوضى فيها. مجلس غرب كردستان لديه جماهير غفيرة وقوات عسكرية( آخذة في التحول لجيش اقليمي يربو على 30 ألف مقاتلة ومقاتل) واعلام قويّ وحركة اقليمية جبارة ستمده بكل أسباب القوة والصمود والمنعة وبكل الخبرة التي اكتسبتها طيلة 30 عاما من الصراع مع احدى اقوى دول العالم. وكحزب طليعي، فان الاتحاد الديمقراطي استعد منذ اندلاع الثورة السورية لحماية الكرد في سوريا ورد كل ضيم قد تفكر تركيا واذنابها من المعارضة القومجية الطائفية الحاقه بهم.
ومع كل اسباب المنعة هذه الا ان حزب الاتحاد الديمقراطي فضلّ الإتحاد مع بقية الاحزاب الكردية ورفض منطق الأغلبية الجماهيرية، واختار (الهيئة الكردية العليا) بمبادرة من القوى الكردستانية الكبرى. بمعنى انه لم يقبل ان يتصرف كما تصرف الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في اقليم كردستان الجنوبية عندما ادارا المناطق المحررة بقواتهما المسلحة وقارعا النظام الصدامي باسم الشعب الكردي وحركته التحررية.
ننتظر ونرى "التعهد الأخير" الذي تم تقديمه في أربيل مؤخرا.
طارق حمو
bavesilan@hotmail.de