الرئيسية » مقالات » مقالات سياسية , منوعات , تعليم لغة كوردية » مقالات سياسية

فيصل القاسم هذا ماشاهدته في الصين

(1)
ما أن تدخل مطار بيجين حتى تبدأ الصين بالتفاخر بعضلاتها أمام القادمين إليها، فالمطار ليس هائلاً فحسب، بل مصمم بحيث تبدو المطارات العالمية الأخرى بالمقارنة معه مجرد قسم من أقسامه

، فبينما لا يمشي المسافر عادة سوى مائة أو مائتي متر على الأكثر لاستلام حقائبه في المطارات الأخرى، لا بد له في مطار بيجين أن يستقل قطاراً خاصاً يسير به محطات ومحطات حتى يصل إلى القسم المخصص لاستلام الحقائب. كيف لا والصين تعتمد في قوتها على الحجم والكثرة كما يبدو من تاريخها وحاضرها، فـ"المدينة المحرمة" داخل العاصمة، وهي مقر إقامة الأباطرة قديماً مثلاً أشبه بمدينة صغيرة داخل مدينة ممتلئة بعشرات القصور والساحات الهائلة التي كان الامبراطور يحتاج وقتاً طويلاً كي يتجول في جنباتها.بعبارة أخرى، لقد كان أباطرة الصين لا يعيشون في قصور، بل في مدينة من القصور داخل بيجين.

 

صحيح أن الصينين يستطيعون أن يتباهوا أمام العالم بحجم بلدهم الكبير سكاناً ومساحة، لكن عاصمتهم لا تختلف عن العواصم الغربية إلا فقط بالكلمات الصينية المكتوبة على واجهات المباني الضخمة، وما عدا ذلك مجرد استنساخ فج للمدن الغربية، مثلهم في ذلك مثل العواصم الآسيوية الأخرى التي ترفع شعار "الاتجاه شرقاً"، بينما تولي وجهها غرباً. يبدو الصينيون من خلال نمط حياتهم الاقتصادية مهوسين بالنموذج الغربي إلى حد المبالغة، فلما فكروا باحتذاء الاقتصاديات الرأسمالية، لم يأخذوها كما هي، بل زايدوا عليها كثيراً على ما يبدو. ولو عرف الزعيم الشيوعي الكبير ماوتسيتونغ المسجّى في قاعة بساحة "تيانامين" أن بلاده تحولت إلى مرتع رأسمالي متوحش لبكى دماً على الثورة الاشتراكية التي قادها وذبح العديد من الصينيين من أجلها. ها هي بيجين يا "ماو" وبقية المدن الاقتصادية تتفوق على المدن الأميركية والأوروبية في نزعتها الرأسمالية المتوحشة، فلو قارنت مثلاً عدد محلات الماركات الفاخرة الموجودة في لندن وروما وباريس بعدد المحلات الموجودة في بيجين لوجدتها أكثر بكثير في العاصمة الصينية التي تنتشر الماركات الغربية الفارهة في معظم شوارعها بأعداد مهولة. فإذا أردت أن تشتري مثلاً ألبسة وساعات وأدوات وعطورات ومواد وأجهزة الكترونية غربية فاخرة ستجد عشرات المحلات منها في بيجين. والغريب أن أسعارها أغلى في الصين بمرات من أسعارها في بلدها الأم كباريس وميلان ولندن ونيويورك بسبب الضرائب الرهيبة التي تخجل منها الضرائب البريطانية أو الفرنسية والألمانية.

تبدو الرأسمالية الصينية أكثر توحشاً واستغلالاً ونهماً بكثير من الرأسمالية الغربية الأصيلة، بحيث أصبح المال يتحكم بكل شاردة وواردة من حياة الصينيين ونشاطاتهم. ولا شك أن السياح سيترحمون على لندن وباريس وروما عندما يتجولون في أنحاء العاصمة الصينية. فكلنا مثلاً يستطيع أن يمضي كل وقته في حديقة "هايد بارك" البريطانية الشهيرة دون أن يدفع فلساً واحداً. كما باستطاعته أن يزور مجاناً أهم متحف للتاريخ الطبيعي في العالم في لندن، وكذلك أيضاً المتحف البريطاني العظيم الذي يكلف الدولة البريطانية ملايين الجنيهات سنوياً. أما في بيجين، فعليك أن تدفع لدخول حديقة بائسة بالقرب من ساحة "تيانامين". أما المتاحف والمناطق السياحية فحدث ولا حرج، إذ تفرض على الداخلين إليها شراء تذاكر غالية جداً. بعبارة أخرى، لا بد للسائح أن يخصص ميزانية معتبرة فقط لزيارة المناطق السياحية داخل العاصمة.

صحيح أن بإمكان السائح أن يزور ضريح مؤسس الصين الحديثة ماو تسيتونغ مجاناً في قلب ساحة "تيانامين"، لكن السلطات الصينية الرأسمالية المفرطة في الاستغلال وجدت طرقاً أخرى لابتزاز السياح وجعلهم يدفعون الكثير قبل دخول الضريح. فمثلاً لا يمكنك أن تحمل كاميرا وأنت تزور القبر، لهذا لا بد أن تضعها في مكتب الأمانات الذي يطلب منك مبلغاً كبيراً بالمقارنة مع الخدمة التي يقدمها كي يحفظ لك الكاميرا لمدة نصف ساعة، مع العلم أن كل السياح يحملون كاميرات، وكل مكاتب الأمانات في العالم مجانية، إلا في الصين. وأحياناً يبتزك بعض الموظفين الصغار قبل الدخول إلى قاعة الضريح ويطلبون منك وثائق رسمية كجواز سفر أو هوية شخصية، مع العلم أن ذلك ليس مطلوباً رسمياً. فعندما وجدني أحدهم أحمل كاميرا اصطحبني فوراً إلى مكان بعيد، وسألني من أي بلد أنا قادم، فقلت له:"أنا من سوريا"، فرفع لي علامة النصر، ولا أدري إذا كان يقصد بذلك انتصار الثورة السورية، أم انتصار النظام السوري الذي تدعمه الصين. لكن مع ذلك، شعرت بالغبطة كونه عرف من أين أنا قادم، لعله يساعدني في تسهيل الدخول إلى الضريح الذي يصطف أمامه ألوف الزائرين. لكن سرعان ما تلاشت غبطتي، عندما سألني الموظف إذا كنت أحمل جواز سفر، فقلت له لا، فطلب مني على الفور مبلغاً كبيراً من المال، فقلت لماذا، فأجاب:"لأنك لا تحمل جواز سفر"، مع العلم أنه ليس مطلوباً منك أن تحمل أي شيء لدخول الضريح. على العموم أعطيته المبلغ "الرشوة" على مضض. وقد ذكرني هذا الموقف بموقف الصين من القضايا الدولية كالقضية السورية، فهي تقيس كل شيء بمقياس الربح المادي لا أكثر ولا أقل، وباتت تتعامل مع بقية الدول كشركة تجارية فجة لا تعير المبادئ الإنسانية أي قيمة، حتى لو كان دعمها لهذا النظام أو ذاك على حساب أشلاء ألوف الأطفال وحطام المدن.

لا شك أن الدول بحاجة لمبالغ ضخمة لصيانة مناطقها السياحية، لكن ليس بوضع أعباء هائلة على جيوب السياح وابتزازهم. باختصار، ليس هناك شيء بالمجان ابداً في بيجين بلد الاشتراكية المزعوم، ولا حتى في بقية بقاع الصين حتى للصينيين المساكين أنفسهم.

تصوروا أن حتى التعليم الابتدائي ليس مجاناً، فبينما توفر كل الدول الرأسمالية التعليم المجاني للأطفال، فإن الصين تفرض مبالغ كبرى على الشعب مقابل التعليم البسيط. وهذا يعني أن ملايين الصينيين، وخاصة في المدن النائية قد لا يعلّمون أولادهم بسبب الفقر المدقع الذي يعاني منه حوالي ثمانين بالمائة من الشعب. صحيح أن الصين قد تبدو للعالم الخارجي عملاقاً اقتصادياً ناهضاً بسرعة البرق، لكنها في الحقيقة بلد التخلف والفاقه بامتياز، فباستثناء بضعة مدن قليلة تقع على الشريط الساحلي، ما زال مئات الملايين من الصينيين يعيشون على قارعة الحضارة. ومخطئ من يظن أن عدد سكان الصين مليار وثلاثمائة مليون نسمة، فالعدد لا يتجاوز أربعمائة مليون فقط، أما حوالي المليار الباقي فهو بحكم الميت، لأنه محروم من أبسط حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد روى لي أحد الخبراء أن ملايين الصينيين خارج المدن الكبرى لم يروا سيارة في حياتهم، وإذا شاهدوا سيارة لا يعرفون كيف يفتحون بابها، هذا إذا لم يصابوا بدهشة كبرى لمشاهدة آلة تتحرك. لا عجب إذن أن عدد الصينيين الذين ينزحون من الريف إلى المدن الكبرى القليلة يتجاوز المائة مليون سنوياً.


(2)
بالرغم من ترسخ النظام الرأسمالي في الغرب وتطوره الدائم على مدى عقود وعقود، إلا أنه مازال يعاني كثيراً في علاقته الظالمة مع المجتمعات الغربية، فما بالك في الصين التي انتقلت إلى الرأسمالية المتوحشة دون أن تمر في مراحل النضوج المطلوبة. لهذا تبدو الصين الحديثة كالغراب الذي حاول أن يقلد الحجلة في مشيتها، فبالغ، ثم نسي مشيته. فالازدهار الكبير الذي شهدته المدن الساحلية دون غيرها على مدى السنوات الماضية دفع ملايين القرويين الصينيين إلى الهجرة إلى تلك المدن، مما حرم الأرياف القريبة والبعيدة من أكثر من مائة مليون من سكانها سنوياً. وهذا يعني أن هناك عملية تفريغ متسارع للأرياف والمدن البعيدة لا أحد يستطيع أن يتنبئ بنتائجه الكارثية على البلاد لاحقاً. ولو ظل الوضع على حاله لتشوه وجه الصين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أكثر مما هو مشوه. فالانتقال من النظام الاشتراكي إلى الرأسمالي تم طبخه على عجل. ومما زاد الأمور سوءاً أن هذا التحول كان اقتصادياً بحتاً، ولم يرافقه أي تطور سياسي يواكب النقلة الاقتصادية، فبدت الصين برأس شيوعي وجسد رأسمالي مضحك، ومازالت تتخبط في إيجاد النموذج الذي يناسبها سياسياً وثقافياً.

لقد اتخذت الصين التنين رمزاً لها لفترة من الزمن كتعبير عن قوتها وشراستها، لكن افتتانها المفرط بالغرب جعلها تغير رموزها كما تغير ملابسها، فبعد أن وجدت أن التنين قد ينفـّر الغرب، ويجعلها تبدو عدوانية في عيونه، رمت بالتنين جانباً، واستبدلته بالباندا ذلك الحيوان الوديع المسالم ذي اللونين الأبيض والأسود الجميل، مع العلم أن ذلك الحيوان معروف أيضاً بغبائه وقلة حيلته وكسله، فهو يجلس دائماً ينتظر من يقدم له الطعام والشراب. كل ذلك من أجل التقرب من الغرب. بعبارة أخرى، فإن الصينيين لم يرسوا على بر حتى الآن فيما يخص طبيعة نظامهم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي. وكان أجدى بهم أن يصنعوا مثالهم الخاص بهم بدل السعي المحموم لإرضاء الغرب على حساب ثقافتهم. والسؤال الذي يبرز هنا: هل تستيطع الصين أن تنافس الغرب على قيادة العالم إذا لم تتمكن حتى من بناء ثقافة خاصة بها تقود بها بلادها ومحيطها، ناهيك عن المعمورة؟

بالرغم من التطبيل والتزمير للنموذج الصيني لدى بعض القومجيين واليسارجيين العرب المعادين للغرب، فإن الصين ليس لديها نموذج خاص بها، فنظامها الاقتصادي استنساخ فج ومفرط للنموذج الغربي. وإذا استثنينا الصين الداخلية التي مازالت تعيش في القرون الوسطى، فإن الصين الحديثة التي لا تشكل سوى عشرين بالمائة من البلاد ما هي سوى نسخة غربية فاقعة، فلم يبق في العاصمة بكين من معالم صينية صرفة سوى بضعة معابد ومقر الامبراطور. أما ما عدا ذلك، فكل شيء في الصين يبدو غربياً إلى حد الجنون، اللباس والأزياء والمظهر العام للشعب ، وشكل الأبنية والشوارع والإدارة. وبالتالي كيف للصين أن تقود العالم بثقافة الغرب ورموزه وشعاراته؟

تحاول الصين منذ مدة بنشر مراكزها الثقافية الكونفوشية الجديدة في أنحاء العالم لعلها تنجح في اجتذاب البلدان إلى حضارتها، لكنها فشلت حتى الآن فشلاً ذريعاً، لا بل إنها لم تستطع حتى في تعميم نموذجها الثقافي داخلياً وإقليمياً، فما بالك خارجياً. وربما يعود ذلك في أحد جوانبه إلى اللغة الصينية ذاتها، فهي لغة بلا أحرف، وتعتمد على الرموز، والصينيون أنفسهم يجدون صعوبة بالغة في الإلمام بها، فما بالك بالأجانب، فحتى عتاة الأكاديميين الصينيين لا يتقنون أكثر من أربعة آلاف رمز من لغتهم، مما يعرقل وصول الصينية إلى العالمية. ويرى بعض الخبراء أن اللغة الصينية ساهمت كثيراً في تخلف الصين والصينيين. ولا يغرنك النجاح الصيني في تقليد البضائع الغربية وتصنيع كل السلع، فهناك فرق كبير جداً بين أن تكون مقلداً وأن تكون مبتكراً، فبسبب اللغة عانى العقل الصيني كثيراً، كما يجادل أحد الدارسين. ولو طلبت مثلاً من النادل أو النادلة في مطعم ثلاث كؤوس من الكولا وواحداً من العصير وكوبين من الشاي لأوقعته أو أوقعتها في أزمة وحيرة، فهي تحتاج لوقت طويل كي تهضم الطلب وتنفذه، لكن ليس بسبب التخلف العقلي، بل بسبب صعوبة اللغة، كما يقول أحد الخبراء، فاللغة جعلت التفكير الصيني معقداً وبطيئاً. ولما سألت الخبير عن سر هذا التقدم الصيني الرهيب في مجال الصناعة والتصنيع، فقال:"الصينيون بارعون في التقليد، لا في الابتكار، فلو طلبت من خياط صيني مثلاً أن يخيط لك قميصاً بجيبتين وخمسة أزرار وقبة دائرية لوقع في حيرة كبيرة، ولفشل في الوفاء بالتفاصيل المطلوبة. لكن لو أعطيته قميصاً، وطلبت منه أن يقلده بحذافيره لأخاط القميص بدقائق ببراعة كبيرة." وربما لهذا السبب لم ينجح الصينيون حتى الآن في ابتكار نموذجهم الخاص بهم الذي يستطيعون من خلاله التغلغل في العالم وقيادته، كما فعل الأمريكيون من قبلهم. فبينما نجح النموذج الأميركي خصوصاً والغربي عموماً في غزو العالم والهيمنة عليه من أمريكا اللاتينية حتى آسيا ثقافياً واجتماعياً وفنياً وحتى على صعيد الأكل والشرب، من الصعب، إذا لم يكن من المستحيل، أن ينجح الصينيون في تعميم نموذجهم، حسبما يرى بعض الدارسين.لهذا فإن حظوظهم في السيطرة والهيمنة عالمياً مازالت ضعيفة جداً..

(3)
لا مانع لدى القيادة الصينية أن تقلد الاقتصاد الرأسمالي وتزايد عليه في توحشه، فقد رأينا في المقالتين السابقتين كيف اقتبست الصين النموذج الغربي في الاقتصاد بحذافيره، وكيف جعلته أكثر توحشاً واستغلالاً. لكن بالرغم من هوسها وافتتانها بالغرب اقتصادياً وعمرانياً، إلا أنها مازالت تمارس استبدادها الشيوعي على الصعيد السياسي والثقافي والإعلامي، فالديمقراطية بشكلها الغربي مازالت رجساً من عمل الشيطان في مفهوم القيادة الصينية وحزبها الشيوعي الحاكم الذي أصبح عبئاً على البلاد رغم المحاولات الكثيرة لتغيير اسمه وإبقاء مضمونه.

من سوء حظ الصين أن الطواغيت العرب يجدون فيها النموذج المفضل للحكم رغم الاختلاف في الانجازات. فعندما أراد معمر القذافي قمع الثورة الليبية وسحقها تعلل بما فعله الحزب الشيوعي الصيني بالثوار الصينيين في ساحة تيانامين عام 1989، فمن المعروف أن ألوف الطلبة الصينيين نظموا صفوفهم في تلك الفترة، واعتصموا لمدة من الزمن في الميدان الشهير، وحظيت قضيتهم بتغطية إعلامية عالمية منقطعة النظير. لا بل إن ملايين الصينيين أيدوهم مادياً ومعنوياً. ويذكر بعض الصحفيين الذين غطوا اعتصامات تيانامين أن الصينيين كانوا يرسلون للطلاب المعتصمين الأكل والشراب بالشاحنات من كل المناطق. وكانت بعض الشاحنات تصلهم محملة بالخنازير لتأمين الطعام لهم على مدى شهور. وقد وصل الأمر برئيس الحزب الشيوعي وقتها إلى زيارة الطلاب في ميدان الاعتصام والتضامن مع مطالبهم والاعتراف بها، لكن الحزب أطاح به بعد سويعات فقط من زيارته للمعتصمين. وفي النهاية قرر القيادة الشيوعية إرسال الدبابات إلى الميدان لسحق الانتفاضة والقضاء عليها نهائياً. وكلنا يتذكر مشهد ذلك الطفل الصيني الذي كان يقف أمام دبابة كنوع من التحدي للوحشية التي قمعت بها السلطات تلك الاعتصامات التاريخية.

ولا شك أن القيادة السورية استمدت وحشيتها في قمع الثورة من الصين وروسيا اللتين لم تترددا يوماً في استخدام الجيش لضرب كل من تسول له نفسه المطالبة بحقوقه المسلوبة. ولم تقف الصين عند حد تقديم النموذج الدموي الوحشي لبعض الطواغيت العرب في قمع الانتفاضات الشعبية المشروعة، بل راحت تستخدم حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لدعم النظام السوري في مواجهة الثورة الشعبية بالرغم من الاستنكار الشعبي العربي والإسلامي الواسع للخطوة الصينية. لكن الصين لم تتزحزح عن موقفها حتى الآن ظناً منها أن الجميع بحاجة لبضائعها الرخيصة والتعاون معها اقتصادياً. وقد ظهر ذلك جلياً في زيارة الرئيس المصري الأخيرة للصين محمد مرسي، الذي ركز في محادثاته مع الصينيين على الجوانب الاقتصادية والتجارية حصراً دون أي ذكر للموقف الصيني المنحاز للنظام السوري، مع العلم أن هناك قضايا كثيرة يمكن استغلالها للضغط على الصين. وقد ذكر لي أحد المختصين أنه يكفي أن تعلن المرجعيات الإسلامية في العالم العربي أنها بصدد استقبال أحد رموز مقاطعة التبت الكبار الدلاي لاما وإبداء تعاطفها مع قضية التبتيين وغيرهم من المقاطعات التي تحاول الاستقلال عن الصين لأسباب عرقية وسياسية مشروعة حتى تعيد الصين النظر في بعض سياساتها، خاصة وأن هناك الكثير من الحركات الصينية التي تحاول تحصيل حقوقها المسلوبة من النظام الحاكم في بيجين الذي ما زال يتعامل مع الداخل والخارج بنفس العقلية الشيوعية البائدة.

بالإضافة إلى سياسة القبضة الحديدية التي ما زال النظام الصيني يمارسها مع معارضيه، فإنه يفرض قيوداً صارمة للغاية على الإعلام الحديث، وخاصة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فمن المعلوم أن الصينيين ممنوعون من دخول مواقع عالمية كـ"فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، فهذه المواقع وغيرها محجوبة في الصين تحت طائلة العقوبة لكل من يحاول دخولها. وقد دخلت الصين في صراع مع شركة "غوغل" قبل مدة للأسباب الرقابية ذاتها. ويقول أحد المعارضين الصينيين إن النظام الحاكم في بلاده يوظف أكثر من ستين ألف شخص فقط لمراقبة الانترنت وملاحقة المخالفين. أضف إلى ذلك أن وسائل الإعلام في الصين ما زالت خاضعة تماماً لسلطة الدولة، إذ يتحدث المعارضون عما يسمونه بوزارة الدعاية (البروبوغاندا)، ومهمتها توجيه الرأي العام ومراقبة الصحف والمجلات والتلفزيونات والعاملين فيها. ويعتبر ذلك نموذجاً فريداً في العالم بحيث للاقتصاد الصيني كامل الحرية في تقليد الاقتصادات الغربية والمزايدة عليها، وفي الوقت نفسه قمع الإعلام، خاصة وأن "الإعلام الحر" هو الابن الطبيعي للنظام الرأسمالي الذي تتهافت الصين على الاقتداء به وجعله أكثر وحشية واستغلالاً للناس.

لا أدري إلى متى يمكن قيادة الصين من خلال اقتصاد مفتوح وسياسة ديكتاتورية رغم نجاح النموذج حتى الآن وتحقيقه معدلات تنمية غير مسبوقة عالمياً. ربما مرحلياً فقط، فمع تنامي الاقتصاد الصين وانفتاحه الكبير على العالم، لن يمر وقت طويل قبل أن يبدأ الصينيون بتحرير نظامهم السياسي والإعلامي وجعله يواكب نظامهم الاقتصادي الذي تفوق على الاقتصاديات الرأسمالية الغربية الاصلية في التحرر، إن لم نقل الانفلات.

falkasim@gmail.com

الشرق


فيصل القاسم

الفئة: مقالات سياسية | أضاف: rojmaf (2012-09-19)
مشاهده: 538 | الترتيب: 0.0/0
مجموع التعليقات: 0
إضافة تعليق يستطيع فقط المستخدمون المسجلون
[ التسجيل | دخول ]
طريقة الدخول

تصويتنا
موقفك من الهيئة الكوردية العليا
مجموع الردود: 107
إحصائية


اضغط على like - اعجبني