والتواصل والتفاعل معهم, واستنادا الى خلاصات البحوث والاكتشافات والدراسات العلمية الانتروبولوجية واللغوية والجينية التي أجراها ولا يزال يجريها الكثير من العلماء والأكاديميين الأوروبيين المختصين داخل المختبرات والأكاديميات المعنية, فقد توصل أغلبهم الى الاستنتاج الذي ينص على أن الميديين(هم أسلاف الكورد والآذريين واللور والفيليين الحاليين) والفرس ينتمون الى الشعوب الاندو-أوروبية الآرية التي هاجر البعض منها موطنه الأصلي خلال مرحلة تجوال الشعوب في مجرى القرن الثاني قبل الميلاد باتجاه ايران(بلاد الآريين الشرقيين) وكوردستان الحاليتين واستقروا وتفاعلوا هناك مع الشعوب الميتانية-الهورية والهثية الأرية الأخرى والتي كانت قد هاجرت هي بدورها أيضا موطنها الأصلي(جنوب روسيا- وسط أوروبا) منذ نهايات القرن الثالث وبدايات القرن الثاني قبل الميلاد, هذا بالاضافة الى وجود بعض القبائل الآسيوية والسامية الرحل التي كانت تأتي من الشرق والجنوب الصحراويين تنتقل وتعيش غالبا آنذاك في شرق وجنوب ايران وكوردستان الحاليتين. ومما يعزز من حقيقة أصل الكورد-الفرس المشترك الآري طبعا هو التشابه اللغوي, التراث الثقافي القومي المشترك(مناسبات النوروز الربيعي والمهرجان الخريفي والخلفية الزرادشتية الواحدة قبل الأسلمة والتشابه القصصي والشعري حول فروسية رستم وغيرها من الملاحم التاريخية المشتركة الأخرى), ومن ثم التقارب الطبائعي النفسي والمظاهر والملامح الجسدي الكبير بينهم, هذا رغم أن الفرس الذين استوطنوا بعيدا نسبيا في الجنوب والشرق الشبه الصحراويين الحارين المالحين واختلطوا هناك الى درجة كبيرة مع العرب والشعوب السامية والآسيوية السمراء الشاحبة الأخرى ومع القبائل التورانية الصفراوية الداكنة الذين قدموا من أواسط براري آسيا ابتداءا من القرن الحادي عشر بعد الميلاد, قد سبب ذلك مع مر الزمن تغيير المظاهر والملامح والنفسية الآرية لأولئك الفرس كثيرا, وذلك بالمقارنة مع الكورد(أحفاد الميديين والميتانيين-الهوريين والهثيين) الذين استقروا غالبا داخل المنطقة الجغرافية المسمات حاليا بكوردستان الحالية الخصبة الخضراء المعتدلة, فقد ساعد ذلك لاحقا على متابعة الكورد نسبيا للاحتفاظ بملامحهم الجسمانية وطبائعهم الروحية ومظاهرهم المتفتحة النييرة الآرية.
حيث كان للتفاهم وللتعاون وللتعايش المشترك بين أسلاف الفرس والكورد دورا وعاملا حاسمين في تمكنهم من انشاء حضارة وممالك متتالية مشتركة زاهية وواسعة على الأقل منذ تسمية احدى أهم تلك الممالك الجامعة لهم "بالميدية"(كمصطلح آشوري) حتى أواسط القرن السادس قبل الميلاد ومن ثم لاحقا "بالفارسية" بعد أن أطلق المؤرخ الأغريقي هيرودوت لاحقا في القرن الخامس قبل الميلاد إسم "آريين على الميديين" ومن ثم كلمة "بيرزر أو فرس" على الفرس والميديين معا (وذلك نسبة الى مدينة بيرزربولس) ولتمتد نفوذهم لقرون عديدة الى سائر بلاد الرافدين والشام ومصر وافغانستان وأوزبكستان وتركمانستان الحالية وحتى الى أجزاء من بلاد الأغريق في الغرب وذلك تحت ادارت متناوبة ومتتالية لملوك ولقادة ميديين وفرس, هكذا الى أن أطلق عليهم لاحقا منذ القرن الثالث بعد الميلاد بالساسانيين نسبة الى ادارة أسرة ساسان ولتمتد وتطول هذه التسمية على مملكتمهم حتى الغزو الاسلامي البدوي الصحراوي لهذه البلاد الزاهية الجميلة في أواسط القرن السابع الميلادي. ورغم شرور وفواجع وعواقب ذلك الغزو الهمجي المدمرة لقرنين من الزمن فقد تمكن الفرس والكورد ثانية شيئا فشيئا من بعض التحكم بامور وشؤون الخلافة الاسلامية اداريا عسكريا ثقافيا, وكان قد أصبح الخليفة العباسي مجرد كواجهة شكلية لتلك الخلافة لا غير, وكاد هؤلاء الفرس والكورد أن يتحكموا كليا بادارتها لولا قدوم الغزوة التورانية السلجوقية الصفراء الأخرى بدءا من القرن الحادي عشر الميلادي من أواسط صحارى وبراري آسيا ومن بلاد الإيغور الحالية في شمال غرب الصين, ومن ثم اعتماد الخليفة العباسي عليهم في محاربة الفرس-الكورد وتقليص نفوذهم ودورهم داخل تلك الخلافة.
فاستنادا الى هذا الاطار التاريخي المشترك للكورد والفرس الآريين وانطلاقا من الأهمية القصوى لمتطلبات المصالح المتعددة المشتركة الحالية لهم أيضا في المنطقة ولمواجهة التحديات هناك, يجدر التذكير بضرورة المبادرة من قبل المنظمات والنخب الوطنية الديموقراطية الكوردية والفارسية للقيام بحوار صادق فيما بينهم للوصول الى تفاهم وتعاون وتنسيق جاد وذلك للعمل معا جنب الى جنب من أجل حماية وتأمين المصالح المشتركة وانتزاع الحرية والحقوق المسلوبة بعد لأقسام مهمة من شعبهم ومناطقهم المحتلة, ولضمان تشكيل عمق مشترك في المنطقة يؤمن حالة التوازن والردع أمام العمق التركي الذي يزعم رواده بوجود تحالف للشعوب التركية من الأدرياتيك وحتى أواسط آسيا علما أن الأتراك الأصليين يشكلون نسبة محدودة جدا في تركيا وهم دخلاء هنا فقط ابتداءا منذ القرن الحادي عشر الميلادي; وكذلك لتكوين توازن وردع أمام العمق العربي الذي يزعم ممثليه بضرورة توحيد كافة الشعوب العربية من
الخليج الى المحيط الأطلسي, هذا مع العلم أن عدد العرب الأقحاح خارج شبه الجزيرة العربية هو قليل جدا وكذلك هم دخلاء فقط منذ بداية الغزو الاسلامي في القرن السابع الميلادي في بلاد الرافدين والشام ومصز والسودان وفي دول شمال أفريقيا; بينما الفرس والكورد الأصليين هم لايزالون يشكلون معا أكثر من مئة مليون نسمة في المنطقة والذين يسكنونها منذ أكثر من خمسة آلاف سنة!
محمد محمد – ألمانيا
23.08.2012