منذ أول نهضة ثورية سلمية، سيقاتلون لأطول فترة ممكنة، وسيستمرون في مجازرهم، واعداماتهم الميدانية، ليدفعوا ببعض قوى الثورة بالرد على نفس المنهجية، أو استخدام الاسلوب نفسه، يأملون من خلفها تحريك رأي في المجتمع الدولي لإدانة الثورة على الهفوات الميدانية، وخلق مقارنة بين مجازر شبيحتهم المنظمة، وتجاوزات لكتائب الثورة، وهذا ما بدأت تظهر فعلا في بعض الأروقة السياسية. رئيس هيئة الامم المتحدة بان كين مون، فقد بدء بإطلاق تحذير وتنديد للسلطة على جرائمها اللامنتهية، لكنه لم يبرأ القوى الثورية بل اشرك بعض المعارضة معهم، وهكذا رئيسة لجنة حقوق الانسان والتي اتهمت الجهتين معاً على انتهاكاتهما، وطالبت بالتحقيق في الجهتين، تتغاضى هاتين الجهتين عن الذي أجرم ويجرم ويدمر الوطن بالأسلحة الفتاكة، يتناسون الذي بدأ وأجبر الشعب على حمل السلاح للدفاع عن النفس.
السلطة السورية لم ترى الشعب سوى رعاع تابعين، أرضختهم ترهيباً، وأذلتهم ثقافة، أقنعت ذاتها بفوقيتها، قبل أن تفرضها على الشعب، أستخدمت القوة والاغتصاب السياسي للهيمنة على الشعب، سلطة لم يكن للعقد الاجتماعي أي دور في تكوينها، ظهرت بعد أغتصاب مجموعة من الضباط من القسم المنشق الخامس عن البعث العفلقي - الحوراني، تفاقمت الهيمنة بعد أن سيطر عليها آل الأسد، ساعدتهم في ذلك حاشية اضافوا صبغة إلهية الوجود على زعيمهم، بلغ بهم الحد إلى أن أطلقوا شعارات تجاوزت المعقول الإنساني، كقولهم ( العظماء يتجسدون في التاريخ والتاريخ يتجسد في حافظ الأسد ) هذا الشعار الذي بقي مكتوباً في فترة السبعينات بخط عريض على جدار بلغ طوله أكثر من خمسون متراً في بداية أوتستراد المزة في دمشق قبل الوصول إلى كلية الاداب، والشعار الذي دخل صفوف المدارس السورية كآية مقدسة، ولقن كل طالب بل وكل إنسان سوري ( رئيس إلى الأبد ) ليس فقط حتى الممات بل إلى الأبد! فلم يجروا أستفتاء في العهدين الأخيرين من حمكه. لكي يضمنوا السيادة والهيمنة على السلطة ومن ثم على المجتمع لم يهتموا بالشرعية أو القوانين يوماً، بنيت السلطة على علاقات نابعة من تفاعل مؤسسات القوة بين بعضها، كانت تلك المراكز مرجعياتهم، ألغيت القوانين وفرضت حسب منطق السلطة، وعند ظهور أي تعرض لكيانها استخدم العنف بأقسى أبعاده، وهو التعبير الوحيد الذي اظهرته السلطة السورية لمواجهة أي عقد إجتماعي معارض من الشعب، أصبح الحرب وقوانينه هو التشريع والدستور لديهم، وهذا ما تقوم به الأن ضد المجتمع، إنه حرب بين الشعب و سلطة فرضت نفسها كقوة إلهية على الوطن.
أندمجت ثقافة الاستبداد بكل اشكالها مع قناعات مذهبية بين الشريحة الطاغية في السلطة السورية، فاضفوا على صفات المستبد العديدة صفة تعكس الباطنيات في المذهب الشيعي، فاظهروا الأسد الأب كمنقذ للطائفة العلوية، على إنها كانت طائفة مهمشة ومحطمة في التاريخ السوري، لهذا سوف لن يحيد هؤلاء الشبيحة المقتنعة بإلوهية آل الأسد عن السلطة إلا بمنطق القوة، سوف يستمرون في تدمير الوطن، وخلق المجازر بالكل المعارض المطالب بإسقاط كيان إنسانهم الإلهي. كانت هناك وشوشة في نهاية السبعينيات في أروقة شرائح من الطائفة على أن حافظ الأسد هو المهدي المنتظر، نشر تلك القناعة أنذاك كانت تحتاج إلى شخصية دينية كجلال الدين الصغير إمام أحد جوامع المذهب الشيعي في بغداد العراق، الذي بشر بالمهدي المنتظر قبل اسابيع! وبعض الأئمة الذين يساندون نظام الفساد في سوريا بشكل أو آخر، لكن لم يتجرأو أي منهم على تجاوز أئمة ولاية الفقيه آنذاك. الشيعة براء من هذه الفتنة وهذه الأخلاق الفاسدة والاستخدام النتن للدين من أجل المصالح السياسية والمذهبية، والضحالة في الفهم الديني.
بالمقابل المعارضة المشابهة لهذه الخصوصية المذهبية السياسية، كالمجموعات التي تحسب نفسها من الجيش السوري الحر، ليست تلك المدافعة عن الثورة أو المهاجمة لتغيير النظام، بل المتصارعة للسيطرة على السلطة، تقاتل دفاعا لغاياتها، بدفاعاها تدمر الكثير، والثأر الطائفي الفظيع من مجرمي السلطة " الشبيحة وقوى الأمن " تريد جرف القوى الثورية إلى هذا النوع من الصراع المقيت، المخالف لمفاهيم الثورة. كتائب ثورية من الجيش الحر أو الفصائل المقاتلة في مناطق حلب خاصة، تغرق في حبائل النظام الإجرامي، عند ردهم على الشبيحة بالعمليات الإجرامية الميدانية، كعمليات بلدية حلب وثكنة هنانو، لا شك أن لكل ثورة مطباتها، وتظهر عادة من خلال المسيرة مجموعات انتهازية تتسلق المناصب، لكن هذا لا يبرر التجاوزات الاجرامية لكتائب من قوى الثورة والمطالبين بخلق وطن ديمقراطي أساسها العدالة والمساواة والحرية، وأن يقوموا محاكم عسكرية ميدانية يعدمون على اساسها عساكر من الجيش السوري، وليس من جيش النظام ( الشبيحة المتطوعة وقوى الامن ) معظم جنود الجيش السوري يخدمون بالإكراه، هم ربما أبناء واخوة من مقاتلي الجيش السوري الحر، يدفعون إلى ساحات الصراع على الوطن الممزق بالترهيب. لا نشك ان فظاع أجرام النظام أعدم في الجميع القيم الإنسانية، وجردنا جميعا من التعامل بالمنطق الإنساني، لكن من واجب الإنسان الثوري أن يكون الاقوى أمام المصائب التي جرد الإنسان العادي من انسانيته.
نهيب بالقوى الثورية وكتائب الجيش السوري الحر عدم الإنجراف إلى مصيدة النظام الأسدي المجرم، وعدم اعطاء وثيقة إلى الهيئات الدولية لخلق مثل هذا التشبيه وهذه المقارنة البائسة، الأسير مهما كان فهو مصان بكليته ومثبت هذا في كل الأديان، والقيم، والأعراف الإنسانية، يجب على الثوار الحفاظ عليها، وعلى الثورة صونها لبناء وطن نقي جديد.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية