تتطلب الكثير من اليقظة والكثير من نقد الذات وتصحيح المسار بدلاً من الاضمحلال والثبات على ادعاءات صحة النهج ودقة الرؤية وهو ما أثبته التاريخ الذي لا يعترف به احد وبالأحرى ليس تاريخاً لأحد ولا حتى لأصحابه )
عكس ما توقعته أو تمنيته كان الحضور السياسي مخجلاً جداً وحتى الحضور الجماهيري لمدينة يزيد تعدادها عن نصف مليون شخص
لأكون صادقاً مع ذاتي ومع غيري لم يخب ظني فقط في الجمهور والحضور الجماهيري بل حتى في الرسل الذين أحاطوا بالشهيد الراحل في لوحةٍ مزركشة سميتها في وحي خيالي العشاء الأخير لآلهة المستقبل الكردي ورسله
أحسست بحتمية الصراع بين المجموعة النسائية المتمردة على رجعية الفكر الذكوري المتشبث بالمبدأ الديني ( وللذكر مثل حظ الأنثيين ) وبين الطرف الآخر والذي يسعى بكامل طاقته إن يتقمص شخصية الراحل دون أن يدرك بموجب بديهيات الواقع أن الراحل كان طفرة نوعية في الفكر السياسي الكردي ومن المحال تماثل فكره بهذه الصورة الماسخة
تلاميذ الرسالة كانوا في حالة من التخبط يرثى لها وهم سلالة شعبٍ تميز بمبدأ الثيروقراطية في القيادة أي أن القائد يحمل في ذاته صفات الآلهة وبالتالي فأولاده يرثون تلك الصفات و ربما إن هذه السمة للشعب الكردي هي التي قصمت ظهر الجمل في الرحيل المفاجئ والدامي للشهيد أبو فارس
كان المنظر تراجيدية نوعية مهما حاولت وصفها أقف عاجزاً ولكنني وأنا في حالة من الهستيريا الفكرية حاولت رسم لوحة استباقية لهذه المنظومة التي رحل آلهة فكرها دون أي استئذان
هل يمكن أن يستمر التيار دون وجود مشعل تمو
هل يمكن لتلاميذه الحفاظ على الموروث الذي تركه الراحل دون التفريط به
هل تستطيع تلميذات مشعل تمو ( هرفين – نارين – كريمة – زاهدة .... )اللواتي لقين من الشهيد الراحل كل معاني المساواة الاستمرار في نشر رسالة التيار دون التصادم بالطرف الأخر
هل ستكون العائلة أداة توازن وقوة أم إن التمسك بالموروث سيمنح الرسالة الضعف والانقسام
العديد من الأسئلة كانت تتراقص في لوحة أفكاري بعضها يفرض أجوبة مقنعة و البعض الأخر يثير العديد من التكهنات بانتظار الزمن لتفصح عن ما سيحدث
رغم توالي الأيام التي حملت لنا الكثير من المفاجآت عن تيار المستقبل ربما كان أهمها استقالة هرفين أوسي أهم وجوه التيار قبل وبعد رحيل الشهيد من التيار مبررة ذلك بسوء تصرف قياداته و تدخل العائلة في التنظيم
إلا أن الرهان مازال قائماً على التيار ومستقبله السياسي في سوريا لكن كفة الميزان أخذت تميل ضد مستقبله و أكثر ما أخشاه أن يكون تيار المستقبل أول تنظيمٍ سياسي يغادر الساحة الكردية بعد الثورة والعلة تكمن بما قاله الشهيد الراحل ( الثبات على صحة النهج ودقة الرؤية )
في أخر ندوة جماهيرية أقامها التيار في قامشلو و بالتأكيد كلمة جماهيرية فضفاضة جداً للندوة فالجمهور بأعداده المخجلة والأسلوب الكلاسيكي المتبع من قبل قيادة التيار جعلني على يقين بأن التنظيم الذي أقامه الراحل على أساس فكري أكثر من سياسي يواجه أصعب مرحلة تاريخية بعد أن دخل في قوقعة التنظيم الكلاسيكي الكردي
محاولة خلق الأبوية السياسية التي رأى الشهيد إنها أزمة التنظيمات السياسية الكردية تظهر جلياً وبالتالي محاولات منع التفكير المضاد وهذا يخالف بالمطلق ما ذهب إليه الشهيد أبو فارس بأن الإنسان في الأبويات السياسية يفقد إنسانيته لان الحرية أساس الإنسانية و الإنسان في هذه الأبويات ممنوع من التفكير أو الكتابة أو إبداء الرأي إلا بما يخدم مصلحة الأب و قوانينه التسلطية
قد يكون الموت التدريجي أو عن طريق التقادم الذي ذكره الراحل ما ينتظر تنظيمه في المرحلة الحالية و ذلك نابع من بديهيات الابتعاد عن الوسط السياسي الكردي بحيث لم تبقى له مواقع قوة هنا وهناك وبالتالي ابتعاد الطبقات الشابة عنه وهذا ظهر جلياً في عتاب أعضاء القيادة بالتيار للشباب الكردي لابتعادهم عنه
بالتأكيد لن يمنح التيار قوة الاستمرار والبناء الخطب الرنانة والشعارات القائمة على مبدأ فعلنا هذا وذاك
أو تحدي المنظومة السياسية الكردية الموجودة على الساحة وإنما فقط التقييد بمنهجية الشهيد الراحل أبو فارس وخاصة كلامه الواضح والمستند لأساس فكري ( إن إعادة النظر بمجمل الواقع الكردي ومحاولة تجاوز حالات القداسة الفردية وضبابية الرؤية الحزبية المتشرنقة في أطرها ذات النظم التقليدية والمنتظرة لحتمية لا أفق لها أمر لابد منه أن أردنا أن نكون في التاريخ فعلاً ووجوداً )
لدي أمل كبير أن يجتاز تيار المستقبل هذه المرحلة الصعبة في تاريخنا والتي ستشكل بالتأكيد منعطفاً في الواقع السياسي والاجتماعي والفكري للمنظومة السياسية الموجودة بكل أطيافها