تكمن أهمية هذا الحوار انها تأتي في وقت مهم بالنسبة للوضع الكوردي ، وبعد توقيع اتفاقية هولير والتي تتعرض لانتقادات من أغلب المهتمين لبطئ تطبيقها ، وهي مقارنة بين تأثير الوضع السياسي والمزاج العام في دعم المظاهرات ، وكان الطرح والنقاش يدور حول اراء اجتمعت في ثلاث محاوراساسية .
الرؤية الأولى :
حيث ردت الأسباب إلى عدم المشاركة الفعلية للأحزاب الكوردية في التظاهرات والاكتفاء بمشاركة رمزية ، بالتالي لابد من اجبار الأحزاب التي تدعي أنها جزء من الثورة القيام بواجبها في تعبئة جماهيرية وإلزام أعضاءها في الخروج لدعم الاحتجاجات .
الرؤية الثانية :
ركزت على عمل التنسيقيات الكوردية ، والتي ابتعدت عن هموم الشعب الكوردي وقضيته ، وبدأ بفرض أجندات خارجية ، فمثلاً المجلس الوطني الكوردي له موقف مضاد بخصوص التدخل الخارجي ، فتقوم التنسيقات الكوردية بقبول ورفع لافتات تحت هذه التسمية التي تدعو إلى التدخل العسكري ، مما يثير حفيظة الأحزاب من الوضع بشكل عام .
سبب أخر حول تلقي بعض التنسيقيات لأموال سياسية مقابل رفع لافتات تدعم بعض الجهات الخارجية سواء كانت إعلامية أو إطار معارض ، وهذه التنسيقيات هي نفسها التي تقوم بترويج الادعاءات على بعضها ، وحول أمور كثيرة لا يقبلها المجتمع الكوردي ، والتي قللت من احترام هذه التنسيقيات في الاونة الاخيرة ، فالدعم المادي وارى هذه التسمية أكثر انسجاماً مع واقعنا ، هي ضرورة بشرط أن تحافظ هذه التنسيقيات على اتزانها ، وتقبل بفكرة انها حالة طارئة ، وكانت إيجابية في بداية الثورة ، ولكن لم تستطع أن تحافظ على تلك الحالة ، فبدلاً أن ترتقي تصاعدياً كان العكس هو المسيطر .
الرؤية الثالثة :
والتي طرحتُها في هذا الحوار ، ركزتُ فيها على جوانب عدة وأسباب عديدة .
البحث في موضوع بهذا الحجم لابد من شرح للخارطة السورية الحالية ، لأننا نناقش قضية في ظرف لا يزال النظام يمارس كل أنواع القمع والقتل وهناك تطورات أخرى مرافقة لما قام به النظام ، مما يحتم زيادة حجم الاحتجاجات وليس تراجعها ، وتطرقت في ذلك لسببين رئيسين :
الأسباب الموضوعية :
والتي تتعلق بالوضع العام في سوريا ، حيث تحولت الثورة من احتجاج سلمي إلى احتجاجا مسلحا للدفاع عن النفس ، من ثم إلى حرب عسكرية بين فريقين مؤيد للنظام ومعارض له ، والذي فرضه النظام على المجتمع السوري لعدم استجابته لمطالب الشعب ، عبرت عنها المظاهرات السلمية في بداية الامر ، والتي تطالب بالتغير من دول استبدادية إلى دولة ديمقراطية مدنية ينعم المواطن بالحرية .
هذه الحرب تطورت وأخذت بُعداً طائفياً في بعض المحافظات ، ويمكن القول أن النظام نجح في تمرير ذلك ، ونجح في الفخ الذي نصبه للإعلام والذي بدأ يروج بكثافة لحرب أهلية قوامها طائفيتين ، من هنا تأتي ضرورة تفهم نفسية الشعب السوري عامة ، و الكوردي خاصة ، و الذي ينبذ النزاع الحاصل والمستمر ، لأنه غير معني بكل ذلك ، فكل مطالبه تدور حول سوريا كدولة ومؤسسات تخدم الشعب بكل مكوناته ، وليس الانتقام من طائفة معينة .
الأسباب الذاتية :
لا يمكن اغفال دور اتفاقية هولير وتأثيرها على الوضع السياسي الكوردي ، وهذا الجانب سوف أناقشه بشكل موسع وأكثر وضوحاً .
الاتفاقية التي وقعت بين المجلس الوطني الكوردي ومجلس غربي كوردستان ، وإن كانت لأجل حماية الشعب الكوردي من صراع داخلي محتمل ، ولكنها أتت على حساب المواقف السياسية للمجلس الوطني الكوردي اتجاه الثورة السورية ، ومع مرور الوقت ، وعدم تنفيذ بنودها والاستفراد الكلي بإدارة بعض الأمور في مناطقنا ، وتسهيل ذلك من قبل الجهات الرسمية ، يعطي انطباعاً بأن الكورد أصبحوا خارج دائرة الثورة ، بالتالي أدت هذه السياسيات الممنهجة لابعاد النخبة السياسية عن الاحتجاجات ، والذي يؤثر في محيطه الشعبي بشكل مباشر .
من ناحية أخرى المجلس بحاجة لآلية تنظيمية سليمة ، لاتخاذ بعض التدابير الاحترازية لعدم الانزلاق إلى مواقف لا تخدم مصالح القومية الكوردية في سوريا وتحالفاتها المستقبلية ، بالتالي عليها عدم الخلط بين بعض المفاهيم السائدة ، فمثلاً التفاهم مع مجلس غربي كوردستان لا يعني حل المجلس الوطني الكوردي سياسياً ، إنما السعي لإيجاد نوع من التوازن بين تنفيذ هذه الاتفاقية ، وكيفية الحفاظ على موقعه في الثورة السورية ، وذلك عبر اجراءات محددة تتعلق بخدمة الثورة في المناطق الكوردية .
السبب الذاتي الآخر متعلق بعمل التنسيقيات في المناطق الكوردية وقد اشرت لبعض الأمور في الرؤية الثانية ، ونتطرق هنا لبعضها الاخر ، ببساطة هذه التنسيقيات لم تستطع ان تخرج من الحراك السوري بتحليل يخدم المصلحة الكوردية ، وبقيت تدور في فلك بعض التنسيقات المتواجدة في المدن الكبرى وتقلدها ، ولم تستطع أن تنتقل إلى مرحلة اكثر تطوراً في عملها ، والذي كنا نأمل أن يكون بداية لكسر التقليد الحزبي ، بالتالي بقيت اسيرة لتناقضاتها الداخلية من جهة ، ووهمت نفسها أنها حالة حداثة في السياسة الكوردية من جهة اخرى ، علماً انها كانت تعيش حالة رتابة غير معقولة .
أما الحركة الكوردية إضافة لما ذكرته في بداية الموضوع ، كانت غير جدية للقيام بدورها الحقيقي في الدعوة للتظاهر ، وللتذكير فقط أن أغلب الاحزاب الكوردية ان لم تكن جميعها مكتوب في برامجها ( ان نضالها سلمي ، واعتمادها في ذلك هو الاحتجاج و الاعتصام والتظاهر ) بمعنى أخر هربت من الاستحقاق النضالي الذي تؤمن به ، وأخفت نفسها خلف التنسيقيات ، والمحصلة إننا لم نرى نتاجاً تفاعلياً بين الشارع والحركة الكوردية ، بل انتقاداً حاداً لمواقفها الهزيلة في كثير من الاحيان .
حتى يعود التظاهر في الشارع الكردي الى ما هو مطلوب ، لابد من خطاب سياسي يتبنى مواقف الثورة و يترافق مع التظاهرات ، ويأخذ المصلحة الكوردية بعين الاعتبار من تسميات ولافتات ، وتكون الحركة الكورية حاضنتها ، وعلى التنسيقيات ان تعمل في هذا الإطار ، وان يتم تقييم موقفها بشكل جدي من قبل المعنيين ، و ألا تكون هناك مجاملات على حساب المواقف السياسية مع أخذ ما ذكر من الانتقادات بروح المسؤولية .